مبادرات إنسانية إماراتية صنعت تاريخاً جديداً للعمل الإنساني الدولي
ما فتئت دولة الإمارات العربية المتحدة كعادتها دائماً تصنع الحدث وتكتب التاريخ بأحرف من ذهب، ولا أدل على ذلك من وقوفها في صدارة الدول السباقة إلى تحقيق الإنجازات في مختلف مجالات العمل الإنساني، وذلك عبر تنفيذ العديد من المبادرات الإنسانية النبيلة التي تستهدف من خلالها دعم قدرة الإنسان، حيث كان، على التصدي لمختلف التحديات ومواجهتها، وتعزيز صمود البشرية جمعاء في وجه الكوارث الطبيعية التي قد تضرب أرجاء المعمورة، والتخفيف من آثار هذه الكوارث في الإنسان الفرد الذي غالباً ما يدفع ثمناً غالياً عند تعرضه لكارثة أو حادث كبير، وخاصة في الدول الفقيرة والمحتاجة.
وانطلاقاً من أهمية العمل الإنساني ورغبة في تعظيم شأنه، حرصت دولة الإمارات العربية المتحدة، منذ تأسيسها على يد المغفور له، بإذن الله تعالى، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، على أن يكون العمل الإنساني ركناً أساسياً تقوم عليه سياستها الخارجية، وتنطلق منه في علاقاتها مع مختلف دول العالم، حتى باتت الدولة تمثل نموذجاً للعطاء الإنساني المتعدد الأوجه، الذي يسعى إلى تخفيف معاناة الفئات المعوزة والمحتاجة في العديد من دول العالم، ولهذا يتعاظم نشاطها الإنساني وتتعدد مبادراتها النبيلة في كل مكان من العالم، حتى غدا يُنظَر إلى سيدي صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، وسيدي صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، وسيدي صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، حفظه الله، بوصفهم من روّاد العمل الإنساني، ليس على المستوى الإقليمي فقط، وإنَّما على المستوى العالمي أيضاً، بما يرتبط بهم من مبادرات إنسانية غير مسبوقة من حيث مضمونها وأهدافها ومداها الجغرافي والنتائج الكبيرة التي حققتها.
وهذا النشاط الإنساني الفاعل الذي تقوم به دولة الإمارات العربية المتحدة، يتسم بسمات عدة تكسبه ريادته وتميزه على المستويين الإقليمي والعالمي: السمة الأولى أنه عمل مؤسسي تقوم على النهوض به العديد من المؤسسات والهيئات العاملة في الدولة، ويحظى بدعم القيادة الرشيدة ورعايتها ومساندتها بشكل مباشر ومستمر. والسمة الثانية شموليته وعموميته، حيث لا يقتصر فقط على تقديم المساعدات المادية إلى الفئات المحتاجة وتخفيف معاناتها، وإنما يمتد أيضاً إلى التحرك إلى مناطق الأزمات الإنسانية والتفاعل المباشر مع مشكلاتها والمشاركة في الجهود الإنسانية للتخفيف من معاناتها عن قرب. أما السمة الثالثة فهي أنه يمثل بعداً مهماً من أبعاد السياسة الخارجية للدولة منذ إنشائها في عام 1971، حيث يستهدف الإنسان المحتاج إلى المساندة والمساعدة في كل مكان من العالم. والسمة الرابعة أنه عمل إنساني محض، بمعنى أنه يستهدف تحسين حياة الإنسان في أي مكان من العالم، من دون أي أهداف سياسية. أما السمة الخامسة فهي أنه يتوجه إلى الإنسان من دون نظر إلى دينه، أو طائفته، أو لونه، أو عرقه.
وتؤكد لغة الأرقام التي يعرفها الجميع ويفهمها، صدق ما ذهبنا إليه حول النهج الإنساني لدولة الإمارات العربية المتحدة ومكانته الرفيعة في سياستها الخارجية وفي علاقاتها مع مختلف دول العالم، إذ تكشف القراءة الدقيقة المتأنية للإحصائيات التي تصدرها ليس فقط المؤسسات الرسمية الإماراتية وإنما أيضاً المؤسسات الدولية الأخرى ذات المصداقية العالية، حول قيمة المساعدات التي تقدمها الدولة، أنها تلعب دوراً حيوياً في هذا المجال يفوق بصورة واضحة ما يلعبه غيرها من الدول العظمى والكبرى.
فوفقاً لتقارير «لجنة المساعدات الإنمائية التابعة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية»، فقد احتلّت دولة الإمارات العربية المتحدة على مدار أعوام 2013 و2014 و2016 المرتبة الأولى عالمياً كأكبر دولة مانحة للمساعدات الرسمية في العالم قياساً بدخلها القومي الإجمالي، فيما جاءت في المرتبة الثانية عالمياً في عام 2015. وقد أوضح تقرير المساعدات الخارجية الإماراتي لعام 2013، أن قيمة المساعدات الإماراتية بلغت نحو 5.89 مليار دولار، مسجلة بذلك أعلى قيمة عالمية في مؤشر نسبة المساعدات الرسمية إلى الدخل القومي الإجمالي، حيث سجلت الدولة نسبة تبلغ نحو 1.33%، متجاوزةً بذلك المستوى العالمي المستهدف الذي حدّدته الجمعية العامة للأمم المتحدة كحد أدنى للدعم الذي يجب أن تقدمه الدول لدعم جهود التنمية العالمية، وهو البالغ 0.7%، وهو المستوى الذي لم يتمكّن سوى عدد قليل من الدول الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة من بلوغه. وفي عام 2014 بلغ إجمالي المساعدات الخارجية الإماراتية ما قيمته 6.16 مليار دولار، ومثلت قيمة المساعدات الرسمية ما نسبته 1.26% من الدخل القومي الإجمالي. وفي عام 2015 قدمت الدولة مساعدات خارجية بقيمة 8.80 مليار دولار، ومثلت قيمة مساعداتها الرسمية ما نسبته 1.09% من الدخل القومي الإجمالي، وهذا كله وفقاً لإحصاءات تقارير المساعدات الخارجية للدولة.
وفي ظل هذا النهج الإنساني الأصيل، أطلقت دولة الإمارات العربية المتحدة، العديد من المبادرات الإنسانية النبيلة التي شكلت نماذج مضيئة في سماء العمل الإنساني الدولي، ومثلت مصادر إلهام يستمد منها الآخرون أفكاراً يستطيعون من خلالها الإسهام في دعم العمل الإنساني. وهذه المبادرات على أهميتها كلها، تبرز من بينها مبادرتان حظيتا باهتمام بالغ من قبل المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية الدولية على حد سواء، هما: مبادرة «سقيا الإمارات»، ومبادرة «استئصال مرض شلل الأطفال».
وقد برزت فكرة مبادرة «سقيا الإمارات» في يونيو عام 2014، حينما أطلق سيدي صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، مبادرة لتوفير مياه الشرب لخمسة ملايين شخص حول العالم، حيث حققت المبادرة نجاحاً باهراً، وجمعت 180 مليون درهم إماراتي في 18 يوماً، كانت كافية لسقيا أكثر من 7 ملايين نسمة حول العالم، الأمر الذي شجع على تحويل المبادرة إلى عمل مؤسسي يعمل وفق رؤية واضحة ويضمن تحقيق الأهداف المرجوة منه، فكان أن أعلن سيدي صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، رعاه الله، إنشاء «مؤسسة سقيا الإمارات» بتاريخ 3 فبراير 2015 كمؤسسة عامة غير ربحية، تندرج تحت مظلة «مؤسسة مبادرات محمد بن راشد آل مكتوم العالمية»، وتعمل بصورة رئيسية في بحث وإيجاد حلول لمشاكل شح المياه.
وبالرغم من أن المؤسسة ما زالت في سنواتها الأولى، فإنها حققت إنجازات مشهودة، إذ باتت تشكل رافداً عالمياً يساعد في مواجهة مشكلات العطش والجفاف، وأضحت كذلك إحدى أبرز الجهات المتميزة في تقديم المساعدات الإنسانية للمحتاجين والمنكوبين حول العالم فيما يتعلق بمياه الشرب، حيث تتميز عن مثيلاتها بتركيزها على جانب البحث والتطوير في مجال استخدام الطاقة الشمسية لتحلية وتنقية المياه، كما نفذت بالتعاون مع «مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم للأعمال الخيرية والإنسانية» 10 مشاريع لتوفير مياه صالحة للشرب في كل من: الصومال وطاجيكستان وأفغانستان وغانا واليمن وبنين، وبلغ عدد المستفيدين منها نحو 60 ألف شخص.
وتُعد المبادرة تجسيداً حياً للنهج الإنساني الثابت العابر للحدود وللمبادئ السامية التي تؤمن بها دولة الإمارات العربية المتحدة نحو بني الإنسان للحفاظ على كرامته الإنسانية والارتقاء بها، وبخاصة تجاه أولئك الملايين الذين يعانون الفاقة والعوز والحرمان والمرض، ولا يخفى على أحد أن هذا النوع من المبادرات له أثر عظيم في تعميق مفهوم التنمية المستدامة على المستوى الإنساني العالمي، وبالأخص إذا علمنا أن الأرقام التي تنشرها منظمة الصحة العالمية، تشير إلى أنه في كل 21 ثانية يموت طفل بسبب مرض متصل بالمياه الملوثة، وأن 9863 إنساناً يموتون يومياً بسبب العطش أو الأمراض الناجمة عن المياه الملوثة، ومن ثم جاءت هذه المبادرة لتكون جزءاً مهماً من مجموعة الحلول المقترحة لمثل هذا النوع من الأزمات التي تواجه الإنسانية جمعاء.
ومن بين المبادرات الإنسانية الرائدة والعالمية الكثيرة لسيدي صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، حفظه الله، في المجال الإنساني، تبرز مبادرة سموه لمعالجة شلل الأطفال في العالم، التي حظيت منذ بداية إعلانها باهتمام وتقدير عالميَّين واضحَين من المؤسسات الدولية المعنية، وخاصة أنها تعكس نهجاً إماراتياً شاملاً في مجال العمل الإنساني، فمثلما انشغلت دولة الإمارات العربية المتحدة وقيادتها الرشيدة بقضية العطش وندرة المياه في كل أرجاء العالم، اهتمت الدولة أيضاً بمرض شلل الأطفال وحرصت على أن تكون لاعباً أساسياً في ساحة محاربة هذا المرض الخطير، حيث قدمت الدعم المادي اللازم للقضاء عليه في العالم، وتشارك في جهد دولي للقضاء على هذا المرض ليكون صفراً% عالمياً خلال السنوات المقبلة، وذلك عن طريق تكثيف الحملات على مستوى العالم، وتوفير الجرعات المنشطة من التطعيم الفموي للأطفال دون سن الخامسة عشرة، للإسراع في التخلص من البؤر المتبقية من فيروس شلل الأطفال في مختلف الأقاليم. وضمن هذا السياق، تأتي مبادرة سيدي صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، حفظه الله، لاستئصال مرض شلل الأطفال في العالم، في صدارة جهود الدولة للقضاء على هذا المرض عالمياً، وذلك انطلاقاً من رؤية وفلسفة سموه السامية بأن إنقاذ الأطفال من أمراض يمكن الوقاية منها هو عمل إنساني عظيم لا يتحقق إلا بتكاتف وتعاون من الجميع.
وتلعب هذه المبادرة التي تعد معلماً بارزاً في جهود القضاء على مرض شلل الأطفال، دوراً محورياً وفاعلاً في التصدي لهذا المرض الخطير، وفي هذا الصدد تبرز مبادرة سيدي صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، حفظه الله، عام 2011 التي تضمنت إبرام شراكة استراتيجية مع «مؤسسة بيل ومليندا جيتس»، تم بموجبها تقديم مبلغ قدره 100 مليون دولار أميركي مناصفة بين الطرفين لشراء وإيصال اللقاحات الحيوية للأطفال في أفغانستان وباكستان، كما أعلن سموه في عام 2013 تقديم 440 مليون درهم إماراتي (120 مليون دولار أميركي)، مساهمة في دعم الجهود العالمية لاستئصال المرض، مع التركيز بشكل خاص على باكستان وأفغانستان.
لقد تحملت دولة الإمارات العربية المتحدة نصيبها من المسؤولية الاجتماعية الدولية، لتمثل هذه المبادرات، ومثيلاتها من الأعمال التي تحمل الطابع الإغاثي والإنساني، إضافة جديدة إلى المساعدات الخارجية التي تقدِّمها الدولة، ولاسيَّما ونحن نرى أن قضايا مثل ندرة الموارد المائية والعطش ومرض شلل الأطفال أصبحت من القضايا الرئيسيَّة التي تواجه الحكومات على مستوى العالم، ونسمع كل يوم الإنذارات التي تطلقها الهيئات الإنمائيَّة والدولية بأن الوضع خطير جداً في الدول المهدَّدة.
وإذا كانت هناك العديد من العوامل التي تدعم منظومة الإمارات في مجال العمل الإنساني على الساحة الدولية وتعظّم من فاعليتها والفائدة منها، فإن هناك جانباً على درجة كبيرة من الأهمية في هذه المنظومة، هو أن النشاط الإنساني لدولة الإمارات العربية المتحدة لا يثير أي شبهات بدعم الجماعات المتطرفة أو تمويلها، وهذا لأن الدولة لها سياستها المعروفة في العالم كله ضد التطرف والإرهاب والقوى التي تدعمه، كما أن لها جهودها المشهودة في العمل على تجفيف منابع الإرهاب وفي مقدمتها المنابع المالية، ما يجعل جهدها الإنساني محل ترحيب، ليس فقط من قبل المنظمات الدولية المعنية بالعمل الإنساني، وإنما من قبل الحكومات كلها من دون استثناء حول العالم.